من المصطلحات الأكثر شيوعاً في عالم الإنتاج اليوم هو التصوير باستخدام اللوج Log أو الرو Raw ، نرى الكثيرين يتحدثون عنهما بل ويستخدمونهما، خصوصا اللوج، لكن قليلين جداً يستطيعون أن يشرحوا ماهية هذه المصطلحات وما فائدتها وما الفرق بينها، هذه المدونة للإجابة على هذه الأسئلة.
المفهوم الأساسي:
بشكل عام عند الحديث عن اللوج أو الرو، فنحن نتحدث عن طريقة تسجيل الكاميرا للفيديوهات أو الصور، هذا يعني أنه حتى نستطيع أن نفهم هذه المصطلحات، علينا أن نشرح قليلاً كيف تقوم الكاميرا بالتقاط المشاهد وتحويلها إلى مادة رقمية.
تحتوي كل الكاميرات داخل جسمها على ما يعرف بالحساس Sensor خلف العدسة مباشرة إن كانت بلا مرايا عاكسة Mirrorless أو خلف المرايا العاكسة إن كانت مما يعرف بكاميرات DSLR. وهذا الحساس هو المسؤول عن تكوين الصورة داخل الكاميرا عبر التقاط الضوء المركز الساقط عليه من العدسة، ويحوله إلى مجموعة من الإشارات الكهربائية التي يتم ترجمتها داخل الكترونيات الكاميرا الى الصورة الرقمية التي نراها عبرها.
هذا الحساس عبارة عن سطح لامع على شكل مستطيل في الغالب، يتكون من عدد من حساسات الضوء الصغيرة مرصوصة على شكل مصفوفة، كل حساس مسؤول عن إنتاج الإشارة الكهربائية التي تمثل بيكسل Pixel واحد من الصورة عبر تحليل الضوء الساقط عليه إلى ألوان ثلاثة : الأحمر و الأخضر والأزرق (ألوان نظام RGB) لتشكل ما يعرف ب (نمط باير) Bayer Pattern .
تقوم إلكترونيات الكاميرا باستقبال هذه المعلومات القادمة من الحساس الكبير وتقوم بمعالجتها حسب الإعدادات التي يضبطها عليها المصور، مثل حساسية الضوء ISO و ميزان اللون الأبيض White Balance ، وشدة الإضاءة Exposure، وفضاء الألوان المستخدم Color Space ثم يقوم بعملية ضغط لهذا الكم من المعلومات، باستخدام ما يعرف بـ الكوديك Codec ومن ثم يضع الناتج في أحد الامتدادات المعروفة مثل mp4 أو mov في الفيديو أو الامتداد الشهير للصور JPEG ، وذلك بناء على الإعدادات التي يختارها المصور.
ما هو الرو RAW ؟
هو الحصول على المادة المصورة الصادرة مباشرة من الحساس دون المرور بعمليات المعالجة الداخلية داخل جسم الكاميرا، بمعنى الحصول على المادة الخام الأصلية التي التقطها حساس الكاميرا دون أن تحصل عليه أي تعديلات، سواء كانت التعديلات التي يضبطها المصور عبر إعدادات الكاميرا أو تعديلات الضغط التي تقوم بها الكاميرا على المعلومات المستلمة، ومن هنا جاء اسم هذه الطريقة، فكلمة رو RAW باللغة الانجليزية تعني خام. وبناء على الشرح أعلاه فهذا يعني أنك تحصل على المعلومات مباشرة بعد تشكل نمط باير من الحساس. وهذا يقودك للمعلومة التالية، أن المواد المسجلة بطريقة الرو، ليست صور أو فيديو، بل هي البيانات التي تشكل تلك الصور أو الفيديو DATA، لذلك يستحيل على المتصفحات العادية فتح مواد الرو وتحتاج لبرامج متخصصة، مثل الفوتوشوب Photoshop إن كانت صور، أو البريميير برو Premiere Pro إن كانت فيديو.
يمكنك التفكير بالرو بالضبط مثل الميكروفيلم القديم في عهد الكاميرات القديمة، عندما كانت الصور يتم تخزينها فيزيائيا عبر تفاعلات كيميائية على مادة الميكروفيلم، ثم تذهب إلى استوديو بغرفة مظلمة ومواد كيميائية لتقوم بعملية (تحميض) الميكروفيلم لتحصل على الصور النهائية. في عهد الكاميرات الرقمية الحديثة، ما يخرج من الحساس (نمط باير) هو المقابل للميكروفيلم القديم، والعمليات الداخلية التي تقوم بها الكاميرا على تلك المواد هي المقابل للتحميض.
لهذا السبب تتميز مواد الرو بأنها ذات حجم كبير جداً مقارنة بالمواد المعالجة التي تنتجها الكاميرا داخلياً، فالصورة الواحدة يمكن أن يكون حجمها 5 ميجا مثلا لو كانت بصيغة JPEG ، لكنها قد تصل حتى 60 ميجا إن كانت بصيغة الرو، وساعة تصوير الفيديو قد يصل حجمها لـ 2 أو 3 جيجا إن كانت بصيغة mp4 مثلاً، لكنها قد تتجاوز 40 جيجا إن كانت بصيغة الرو، لذلك عند اختيارك التصوير بالرو، فأول ما يجب أن تنتبه عليه هو مساحة التخزين المتوفرة لديك.
ما هو اللوج LOG ؟
اللوج وهو اختصار قادم من مصطلح الرياضيات الشهير (اللوغاريتم)، هو في الحقيقة يختلف كثيراً عن الرو، فكما قلنا أن الرو هو مجرد معلومات تشكل الفيديو DATA فإن اللوج هو فيديو بالحقيقة ، أي أنه يمر بكل إعدادات وضغط الكاميرا الداخلي، ولا يختلف عن التصوير العادي إلا في طريقة تطبيق شدة الإضاءة، فالفيديو العادي تطبق عليه الكاميرا إضاءة ذات منحنى خطي Linear ، أما في حالة اللوج فيكون المنحنى لوغارتميا، ومن هنا جاء اسمها اللوج، وفيديوهات اللوج يمكن أن يفتحها أي متصفح فيديو عادي دون الحاجة لبرامج خاصة، ولا تتميز بفروقات كبيرة في الحجم عن الفيديو العادي المسجل بالكاميرا، إنما الاختلاف في أن ألوان اللوج باهتة وتميل نحو الرمادي. كما أن مصطلح اللوج خاص بعالم الفيديو وغير متعارف عليه في الصور الثابتة.
ما استخدامات الرو واللوج؟
رغم الاختلاف الواضح جداً بين اللوج والرو، إلا أنهما يستخدمان لنفس الغرض تقريباً، وهذا هو سبب خلط الناس بينهم عادةً، إن هذه الطرق تستخدم دائماً عند الحاجة للحصول على أكبر كم ممكن من المعلومات التي يمكنك تعديلها في مرحلة البوست POST لإعطائك أكبر مرونة ممكنة للتحكم في المواد المرئية وتصحيح الأخطاء إن وجدت. بعبارة أخرى،إن الرو و اللوج يستخدمان لحفظ أكبر كم ممكن من تفاصيل الصورة التي التقطها حساس الكاميرا.
من المسلمات أن العين البشرية تستطيع أن ترى بشكل أعظم من أفضل الكاميرات التي صنعها البشر، ذلك لأن المجال الديناميكي للإضاءة الذي تتمتع به العين Light Dynamic Range أوسع كثيراً من أي كاميرا صناعية. العين تستطيع مثلا وأنت واقف على ساحل مدينة أثناء الغروب أن ترى تفاصيل ألوان السماء الرائعة وفي نفس الوقت ترى تفاصيل المدينة كاملة دون مشكلة، نفس المشهد الذي لو حاولت تصويره بالكاميرا ستجد أن الكاميرا عاجزة عن التقاطه، فإما أن ترى السماء وتتحول المدينة لسواد كامل، أو أن ترى المدينة وتتحول السماء لبياض كامل، وهذا نتيجة أن المجال الديناميكي للإضاءة للكاميرا أقل من المجال الديناميكي للإضاءة للعين البشرية، والذي يعرف بأنه الفرق بين حساسية الإظلام الكامل والإضاءة الكاملة، كلما اتسع المجال الديناميكي Wide Dynamic Range، كلما احتجت لجهاز حساسيته للضوء أعلى مثل العين البشرية، وهنا يأتي دور اللوج والرو في عالم الكاميرات في محاولة للاقتراب أكثر من قدرة العين البشرية على الرؤية، بمعنى آخر، إظهار تفاصيل أكثر.
مثلاً إن كنت تقوم بتصوير مشاهد بإضاءة منخفضة Low Light فإن التصوير باستخدام الفيديو العادي سيفقدك في الغالب التفاصيل في مناطق الظلال، وستجد أن المناطق المظللة تحولت بالكامل إلى كتل سوداء تماماً، مهما حاولت أن تعالجها باستخدام برامج المونتاج والتلوين، بالغالب لن تحصل على تفاصيل تذكر، لأن الفيديو العادي لا يحتوي على معلومات في البكسلات في المناطق المعتمة تلك، فبعد المعالجات والضغط الذي نفذته الكاميرا عليها، تحولت إلى بكسلات تحتوي لون أسود فقط دون أي تدرجات لونية أخرى تظهر التفاصيل. أما إن قمت بالتصوير باستخدام الرو أو اللوج، فتستطيع بسهولة استرجاع معلومات تلك المناطق المعتمة وإظهار ما تحتويه من تفاصيل، لأنك في حالة الرو لديك المعلومات الأصلية التي التقطها حساس الكاميرا، وفي حالة اللوج فإن المنحنى اللوغارتمي الذي طبقته الكاميرا على الاضاءة وقتها، يستطيع حفظ التفاصيل في المناطق المعتمة.
وكذلك الحال في المناطق المضيئة، تخيل مثلاً أنك تصور مشهد درامي داخل غرفة ما فيها شباك يطل على الشارع خلال ضوء النهار، وأنت تريد أن تظهر في صورتك تفاصيل الغرفة وأيضا تفاصيل الشارع، هذا يستحيل بشكل شبه كامل إن لم تكن تصور باستخدام الرو أو اللوج، فهما وحدهما يملكان أن يظهرا تفاصيل الشارع عبر الشباك دون مشاكل مع تفاصيل الغرفة الداخلية، في حين لو صورت المشهد باستخدام الفيديو العادي، ستجد أن الشباك عبارة عن كتلة بيضاء مشعة دون تفاصيل حقيقية.
نقطة أخرى مهمة تدفعك للتصوير باستخدام الرو أو اللوج، هي الحاجة إلى المرونة أثناء مرحلة التلوين في البوست Color Grading . إن تصويرك باستخدام الفيديو العادي لا يعطي مختص التلوين التحكم الكامل في التلاعب بألوان المشهد، بالغالب ستجده محشوراً داخل الألوان التي اختارتها معالجات الكاميرا للمشهد، ومهما بلغت براعة مختص التلوين أو قدرات برنامج التلوين المستخدم (أفضلهم ديفينشي ريسولف Davinci Resolve ) فلن تستطيع الحصول على نتائج توصف بـ العظيمة، أما في حالة استخدام الرو واللوج، فإن مختص التلوين يمتلك درجة التحكم القصوى بالألوان مما يمكنه من الحصول على نتائج مبهرة، لذلك تجد أن فيديوهات الرو واللوج تأتي بألوان باهتة DeSaturated Color ويكون المشهد فيها أقرب للرمادي Grayed Scene مما يسمح لمختص التلوين بتحكم هائل، ولتقريب الصورة أكثر، تخيل أنك تسلم لفنان لوحة ملونة بالكامل وتطلب منه أن يقوم بتعديل ألوانها، وبين أن تسلمه لوحة مرسومة الحدود فقط OutLines دون ألوان وتطلب منه أن يقوم بتلوينها، أيهم تتوقع أن يعطيك الفنان نتائج مبهرة أكثر؟
متى استخدم الرو ومتى استخدم اللوج؟
الحقيقة هذا سؤال تختلف في إجابته الآراء، فالأمر يحتمل وجهات النظر، لذلك فإن الإجابة الأمثل في رأيي عن السؤال تختلف باختلاف الحالة المراد تصويرها، لكن علينا أولاً أن نفهم ميزات كل طريقة عن الاخرى.
بناء على النقاط أعلاه يمكنك تحديد خيارك بخصوص التصوير باللوج أو الرو، مثلاً لو أنك تصور فيلماً سينمائياً عالي التكلفة، فخيارك الأمثل هو التصوير باستخدام الرو، أما لو أنك تصور فيلماً قصيراً بميزانيات محدودة، فغالباً لن تستطيع الذهاب لخيار الرو وتكتفي باللوج.
طبيعة المشاهد أيضاً تفرض عليك، لو كنت تحتاج التقاط أوسع مجال ديناميكي للإضاءة وكان هذا الأمر لا يمكن الاستغناء عنه، فالرو هو خيارك الأفضل، أما لو كنت تصور داخل استوديو مثلاً أو على كروما خضراء حيث تملك تحكماً كاملاً بحالة الإضاءة فلن تحتاج أكثر من اللوج، ولو أن لديك قدرة عالية على التحكم بالإضاءة، فإن الفيديو العادي دون اللوج أو الرو سيكفي بالغرض تماماً.